فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.القصة الخامسة: قصة داود وسليمان عليهما السلام:

المذكورة في قوله تعالى: {وداود وسليمان} ابنه أي: اذكرهما واذكر شأنهما {إذ} أي: حين {يحكمان في الحرث} الذي أنبت الزرع وهو من إطلاق اسم السبب على المسبب كالسماء على المطر والنبت، قال ابن عباس: وأكثر المفسرين كان ذلك كرمًا قد تدلت عناقيده، وقال قتادة: كان زرعًا قال ابن الخازن وهو أشبه للعرف {إذ نفشت} أي: انتشرت ليلًا بغير راع {فيه غنم القوم} فرعته، قال قتادة: النفش في الليل والعمل في النهار {وكنا لحكمهم} أي: الحكمين والمتحاكمين إليهما {شاهدين} أي: كان ذلك بعلمنا ومرأى منّا لا يخفى علينا علمه، وقال الفرّاء: جمع الاثنين فقال لحكمهم ويريد داود وسليمان؛ لأن الاثنين جمع وهو مثل قوله تعالى: {فإن كان له أخوة فلأمه السدس} [النساء].
وهو يريد أخوين، قال ابن عباس وقتادة وذلك أن رجلين دخلا على داود عليه السلام أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الزرع: إنّ هذا انفلتت غنمه ليلًا، فوقعت في حرثي، فأفسدته، فلم تبق منه شيئًا، فأعطاه داود رقاب الغنم بالحرث فخرجا فمرّا على سليمان عليه السلام فقال: كيف قضى بينكما، فأخبراهـ. فقال سليمان وهو ابن إحدى عشر سنة: لو وليت أمرهما لقضيت بغير هذا، وروي أنه قال: غير هذا أرفق بالفريقين، فأخبر بذلك داود، فدعاه فقال: كيف تقضي، ويروى أنه قال بحق النبوة والأبوّة إلا ما أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين، قال: ادفع الغنم إلى صاحب الحرث فينتفع بدرّها ونسلها وصوفها، ويبذر صاحب الغنم لصاحب الحرث مثل حرثه، فإذا صار الحرث كهيئته دفع إلى أهله وأخذ صاحب الغنم غنمه، فقال داود: القضاء ما قضيت. كما قال تعالى: {ففهمناها} أي: الحكومة {سليمان} أي: علمناه القضية وألهمناها له.
تنبيه:
يجوز أن تكون حكومتهما بوحي إلا أنّ حكومة داود نسخت بحكومة سليمان، ويجوز أن تكون باجتهاد إلا أن اجتهاد سليمان أشبه بالصواب فإن قيل: ما وجه كل واحدة من الحكومتين؟
أجيب: بأنّ وجه حكومة داود أنّ الضرر وقع بالغنم فسلمت بجنايتها إلى المجني عليه.
كما قال أبو حنيفة في العبد إذا جنى على النفس يدفعه المولى بذلك أو يفديه، وعند الشافعي يبيعه في ذلك، أو يفديه، ولعل قيمة الغنم كانت على قدر النقصان في الحرث.
ووجه حكومة سليمان: أنه جعل الانتفاع بالغنم بإزاء ما فات من الانتفاع بالحرث من غير أن يزول ملك المالك عن الغنم، وأوجب على صاحب الغنم أن يعمل في الحرث حتى يزول الضرر والنقصان، مثاله ما قال أصحاب الشافعي فيمن غصب عبدًا وأبق من يده أنه يضمن بالقيمة، فينتفع بها المغصوب منه بإزاء ما فوته الغاصب من منافع العبد، فإذا ظهر ترادَّا.
فإن قيل: لو وقعت هذه الواقعة في شريعتنا ما حكمها؟
أجيب: بأن أبا حنيفة وأصحابه لا يرون فيها ضمانًا بالليل أو بالنهار إلا أن يكون مع البهيمة سائق أو قائد لقوله صلى الله عليه وسلم «جرح العجماء جبار»، أي: هدر رواه الشيخان وغيرهما، والشافعي وأصحابه يوجبون الضمان بالليل إذ المعتاد ضبط الدواب ليلًا، ولذلك قضى النبيّ صلى الله عليه وسلم لما دخلت ناقة البراء حائطًا وأفسدته، فقال على: «أهل الأموال حفظها بالنهار، وعلى أهل الماشية حفظها بالليل»، ولما كان ذلك ربما أوهم شيئًا في أمر داود، نفاه بقوله تعالى: {وكلًا} أي: منهما {آتينا حكمًا} أي: نبوّة وعملًا مؤسسًا على حكمة العلم {وعلمًا} مؤيدًا بصالح العمل، وعن الحسن لولا هذه الآية لرأيت القضاة قد هلكوا، ولَكِنه تعالى أثنى على سليمان عليه السلام لصوابه، وعلى داود باجتهاده انتهى، وهذا على الرأي الثاني، وعليه أكثر المفسرين، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد، فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ، فله أجر»، وهل كل مجتهد مصيب أو المصيب واحد لا بعينه؟ رأيان أظهرهما الثاني، وإن كان مخالفًا لمفهوم الآية إذ لو كان كل مجتهد مصيبًا لم يكن للتقسيم في الحديث معنى وقوله صلى الله عليه وسلم وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر لم يرد به أنه يؤجر على الخطأ بل يؤجر على اجتهاده في طلب الحق؛ لأنّ اجتهاده عبادة، والإثم في الخطأ عنه موضوع.
فائدة: من أحكام داود وسليمان عليهما السلام ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كانت امرأتان معهما ابناهما، فجاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت لصاحبتها: إنما ذهب بابنك، وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك، فتحاكما إلى داود فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان، فأخبرتاهـ. فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينكما، فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله هو ابنها، فقضى به للصغرى» أخرجاه في الصحيحين، ثم إنه تعالى ذكر لداود وسليمان بعض معجزات، فمن بعض معجزات الأول ما ذكره بقوله تعالى: {وسخرنا مع داود الجبال} مع صلابتها وعظمها {يسبحن} معه أي: يقدّسن الله تعالى، ولو شئنا لجعلنا الحرث والغنم تكلمه بصواب الحكم، وقال ابن عباس: كان يفهم تسبيح الحجر والشجر، وقوله تعالى: {والطير} عطف على الجبال أو مفعول معه، وقال: وهب كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح، وكذا الطير، وقال قتادة: يسبحن أي: يصلين معه إذا صلى، وقيل: كان داود إذا فتر يسمعه الله تعالى تسبيح الجبال والطير لينشط في التسبيح ويشتاق إليه، وقيل: يسبحن بلسان الحال، وقيل: يسبح من رآها تسير معه بتسيير الله تعالى، فلما جبلت على التسبيح وصفت به {وكنا غافلين} أي: من شأننا الفعل لأمثال هذه الأفاعيل، ولكل شيء نريده، فلا تستكثروا علينا أمرًا، وإن كان عندكم عجبًا، وقد اتفق نحو هذا لغير واحد من هذه الأمة. كان مطرف بن عبد الله بن الشخير إذا دخل بيته سبحت معه أبنيته، وأمّا النبيّ صلى الله عليه وسلم فكان الطعام يسبح بحضرته والحصى وغيره.
{وعلمناه صنعة لبوس} أي: صنعة الدروع التي تلبس في الحرب؛ قال قتادة: أوّل من صنع هذه الدروع وسردها واتخذها حلقًا داود، وكانت من قبل صفائح، وقد ألان الله تعالى لداود الحديد فكان يعمل منه بغير نار كأنه طين؛ قال البغوي: وهو أي: اللبوس في اللغة: اسم لكل ما يلبس ويستعمل في الأسلحة كلها وهو بمعنى الملبوس كالحلوب والركوب، وقوله تعالى: {لكم} متعلق بـ علم أو صفة للبوس، وقوله تعالى: {لتحصنكم من بأسكم} بدل منه بدل اشتمال بإعادة الجار ومرجع الضمير يختلف باختلاف القراءات، فقرأ شعبة بالنون فالضمير لله تعالى، وقرأ ابن عامر وحفص بالتاء على التأنيث، فالضمير للصنعة أو للبوس على تأويل الدرع، وقرأ الباقون بالياء التحتية، فالضمير لداود أو للبوس، وقوله تعالى: {فهل أنتم شاكرون} أي: لنا على ذلك أمر أخرجه في صورة الاستفهام للمبالغة أو التقريع، ومن بعض معجزات الثاني ما ذكره بقوله: {ولسليمان} أي: وسخر لسليمان {الريح} قال البغوي: وهو هواء يتحرّك وهو جسم لطيف يمتنع بلطفه من القبض عليه، ويظهر للحس بحركته والريح تذكر وتؤنث {عاصفة} أي: شديدة الهبوب فإن قيل: قد قال تعالى في موضع آخر: {تجري بأمره رخاء}، والرخاء اللين؟
أجيب: بأنها كانت تحت أمره إن أراد أن تشتدّ اشتدّت، وإن أراد أن تلين لانت، وقيل: كانت في نفسها رخية طيبة كالنسيم، فإذا مرّت بكرسيه أبعدت به في مدة يسيرة على ما قال تعالى: {غدوها شهر ورواحها شهر} [سبأ].
وقوله تعالى: {تجري بأمره} أي: بمشيئته حال ثانية أو بدل من الأول أو حال من ضميرها {إلى الأرض التي باركنا فيها} أي: الشام، وذلك أنها كانت تجري بسليمان وأصحابه إلى حيث شاء سليمان، ثم يعود إلى منزله بالشام.
قال وهب بن منبه: كان سليمان عليه السلام إذا خرج إلى مجلسه عكفت عليه الطير، وقام إليه الجنّ والإنس حتى يجلس على سريره، وكان امرًا غزاء قلما يقعد عن الغزو، ولا يسمع في ناحية من الأرض بملك إلا أتاه حتى يذله، فكان إذا أراد الغزو أمر بعسكره فضرب له بخشب ثم نصب له على الخشب ثم حمل عليه الناس والدواب وآلة الحرب فإذا حمل معه ما يريد أمر العاصف من الريح فدخلت تحت ذلك الخشب فاحتملته حتى إذا استقلت به أمر الرخاء فمرت به شهرًا في روحته، وشهرًا في غدوته إلى حيث أراد، وكانت تمر بعسكره الريح الرخاء بالمزرعة، فما تحركها ولا تثير ترابًا، ولا تؤذي طائرًا.
وقال مقاتل: نسجت الشياطين لسليمان بساطًا فرسخًا في فرسخ ذهبًا في إبريسم، وكان يوضع له منبر من الذهب في وسطه البساط، فيقعد عليه وحوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب وفضة تقعد الأنبياء عليهم السلام على كراسي الذهب، والعلماء على كراسي الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجنّ والشياطين، وتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح، ومن الرواح إلى الغروب.
وقال سعيد بن جبير: كان يوضع لسليمان ستمائة ألف كرسي تجلس الإنس ما يليه، ثم تليهم الجنّ، ثم تظلهم الطير، ثم تحملهم الريح، وقال الحسن لما شغلت الخيل نبيّ الله سليمان حتى فاتته صلاة العصر غضب لله فعقر الخيل، فأبدله الله مكانها خيرًا منها، وأسرع وهي الريح تجري بأمره كيف يشاء، فكان يغدو من إيلياء فيقيل بإصطخر، ثم يروح منها، فيكون رواحها ببابل.
وقال ابن زيد: كان له مركب من خشب، وكان فيه ألف ركن في كل ركن ألف بيت تركب معه فيه الجنّ والإنس تحت كل ركن ألف شيطان يرفعون ذلك الركن، فإذا ارتفعت أتت الريح الرخاء، فسارت به وبهم يقيل عند قوم بينه وبينهم شهر، ولا يدري القوم إلا وقد أظلهم معه الجيوش {وكنا} أي: أزلًا وأبدًا بإحاطة العظمة {بكل شيء} أي: من هذا وغيره من أمره وغيره {عالمين} ومن علمنا أنّ ذلك لا يزيدهم إلا تواضعًا، وكما سخرنا الريح له سخرناها للنبيّ صلى الله عليه وسلم ليالي الأحزاب قال حذيفة رضي الله عنه حتى كانت تقذفهم بالحجارة ما تجاوز عسكرهم، فهزمهم الله تعالى بها، وردّوا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وأعطي صلى الله عليه وسلم أعمّ مما أعطي جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقد أعطي صلى الله عليه وسلم التصرف في العالم العلوي الذي جعل الله تعالى منه الفيض على العالم السفلي بالاحتراق لطباقه بالإسراء تارة وبإمساك المطر لما دعا بسبع كسبع يوسف عليه السلام وبإرساله أخرى كما في أحاديث كثيرة، وأتى مع ذلك بمفاتيح خزائن الأرض كلها، فردّها صلى الله عليه وسلم.
{ومن} أي: وسخرنا لسليمان من {الشياطين} الذين هم أكثر شيء تمردًا وعتوًا {من يغوصون له} أي: يدخلون في البحر، فيخرجون منه الجواهر وغيرها من المنافع وذلك بأن أكثفنا أجسامهم مع لطافتها لتقبل الغوص في الماء معجزة في معجزة، وقد خنق نبينا صلى الله عليه وسلم العفريت الذي جاءه بشهاب من نار، وأسر جماعة من أصحابه رضي الله تعالى عنهم عفاريت أتوا إلى تمر الصدقة، وأمكنهم الله تعالى منهم {ويعملون عملًا دون ذلك} أي: سوى الغوص كبناء المدن والقصور واختراع الصنائع الغريبة كقوله تعالى: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل} [سبأ].
الآية {وكنا لهم حافظين} أي: حتى لا يخرجوا عن أمره، وقال الزجاج: معناه: حفظناهم من أن يفسدوا ما عملوا، وكان من عادة الشياطين إذا عملوا عملًا بالنهار، وفرغوا منه قبل الليل أفسدوه وخربوه، وفي القصة أن سليمان كان إذا بعث شيطانًا مع إنسان ليعمل له عملًا قال له: إذا فرغ من عمله قبل الليل فأشغله بعمل آخر لئلا يفسد ما عمل ويخربه. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78)}.
أخرج الحاكم عن وهب قال: داود بن إيشا بن عويد بن عابر من ولد يهوذا بن يعقوب، وكان قصيرًا أزرق قليل الشعر طاهر القلب.
وأخرج ابن جرير عن مرة رضي الله عنه في قوله: {إذ يحكمان في الحرث} قال: كان الحرث نبتًا، فنفشت فيه ليلًا فاختصموا فيه إلى داود فقضى بالغنم لأصحاب الحرث، فمروا على سليمان فذكروا ذلك له فقال: لا تدفع الغنم. فيصيبون منها ويقوم هؤلاء على حرثهم، فإذا عاد كما كان ردوا عليهم فنزلت {ففهمناها سليمان}.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه والحاكم والبيهقي في سننه، عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم} قال: كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الغنم، فقضى داود بالغنم لصاحب الكرم، فقال سليمان: أغير هذا يا نبي الله؟ قال: وما ذاك؟ قال: تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا عاد الكرم كما كان دفعت الكرم لصاحبه ودفعت الغنم إلى صاحبها. فذلك قوله: {ففهمناها سليمان}.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن مسروق قال: الحرث الذي {نفشت فيه غنم القوم} إنما كان كرمًا نفشت فيه غنم القوم فلم تدع فيه ورقة ولا عنقودًا من عنب إلا أكلته، فأتوا داود فأعطاهم رقابها، فقال سليمان: إن صاحب الكرم قد بقي له أصل كرمه وأصل أرضه، بل تؤخذ الغنم فيعطاها أهل الكرم فيكون لهم لبنها وصوفها ونفعها، ويعطى أهل الغنم الكرم فيعمرونه ويصلحونه حتى يعود كالذي كان ليلة نفشت فيه الغنم، ثم يعطى أهل الغنم غنمهم وأهل الكرم كرمهم.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وداود وسليمان} إلى قوله: {وكنا لحكمهم شاهدين} يقول: كنا لما حكما شاهدين، وذلك أن رجلين دخلا على داود: أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: إن هذا أرسل غنمه في حرثي فلم تبق من حرثي شيئًا. فقال له داود: اذهب فإن الغنم كلها لك. فقضى بذلك داود، ومر صاحب الغنم بسليمان فأخبره بالذي قضى به داود، فدخل سليمان على داود فقال: يا نبي الله، إن القضاء سوى الذي قضيت. فقال: كيف؟ قال سليمان: إن الحرث لا يخفى على صاحبه ما يخرج منه في كل عام، فله من صاحب الغنم أن ينتفع من أولادها وأصوافها وأشعارها حتى يستوفي ثمن الحرث، فإن الغنم لها نسل كل عام. فقال داود: قد أصبت، القضاء كما قضيت. ففهمها الله سليمان.
وأخرج ابن جرير وعبد الرزاق عن مجاهد في الآية قال: أعطاهم داود رقاب الغنم بالحرث، وحكم سليمان بجزة الغنم وألبانها لأهل الحرث، وعليهم رعاؤها ويحرث لهم أهل الغنم حتى يكون الحرث كهيئته يوم أكل، ثم يدفعونه إلى أهله ويأخذون غنمهم.
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: النفش بالليل والهمل بالنهار. ذكر لنا أن غنم القوم وقعت في زرع ليلًا فرفع ذلك إلى داود، فقضى بالغنم لأصحاب الزرع فقال سليمان: ليس كذلك، ولَكِن له نسلها ورسلها وعوارضها وجزازها، حتى إذا كان من العام المقبل كهيئته يوم أكل، دفعت الغنم إلى أربابها وقبض صاحب الزرع زرعه. قال الله: {ففهمناها سليمان}.
وأخرج ابن جرير عن قتادة والزهري في الآية قال: نفشت غنم في حرث قوم فقضى داود أن يأخذوا الغنم ففهمها الله سليمان، فلما أخبر بقضاء داود قال: لا، ولَكِن خذوا الغنم ولكم ما خرج من رسلها وأولادها وأصوافها إلى الحول.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت امرأة عابدة من بني إسرائيل، وكانت تبتلت وكان لها جاريتان جميلتان، وقد تبتلت المرأة لا تريد الرجال، فقالت إحدى الجاريتين للأخرى: قد طال علينا هذا البلاء، أما هذه فلا تريد الرجال ولا نزال بشر ما كنا لها، فلو أنا فضحناها فرجمت فصرنا إلى الرجال. فأتيا ماء البيض فأتياها وهي ساجدة، فكشفتا عن ثوبها ونضحتا في دبرها ماء البيض، وصرختا: إنها قد بغت. وكان من زنى فيهم حدّه الرجم، فرفعت إلى داود وماء البيض في ثيابها فأراد رجمها، فقال سليمان: ائتوا بنار، فإنه إن كان ماء الرجال تفرق؛ وإن كان ماء البيض اجتمع. فأتي بنار فوضعها عليه فاجتمع فدرأ عنها الرجم، فعطف داود على سليمان فأحبه.
ثم كان بعد ذلك أصحاب الحرث وأصحاب الشياه. فقضى داود عليه السلام بالغنم لأصحاب الحرث فخرجوا وأخرجت الرعاة معهم الكلاب فقال سليمان: كيف قضى بينكم؟ فأخبروه فقال: لو وليت أمرهم لقضيت بغير هذا القضاء. فقيل لداود عليه السلام: إن سليمان يقول كذا وكذا. فدعاه فقال: كيف تقضي بينهم؟ فقال: أدفع الغنم إلى أصحاب الحرث هذا العام فيكون لهم أولادها وسلالها وألبانها ومنافعها، ويذر أصحاب الحرث الحرث هذا العام، فإذا بلغ الحرث الذي كان عليه أخذ هؤلاء الحرث ودفعوا إلى هؤلاء الغنم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس {نفشت} قال: رعت.